الثقافة في المغرب: الصوت الخافت في صخب التنمية

عادل حلواش – طالب باحث في قضايا الثقافة والتنمية

في مغرب اليوم، يبدو الحديث عن الثقافة كما لو كان ترفا فكريا، أو بندا ثانويا في أجندة السياسات العمومية. يحتفى بها في الخطب الرسمية، ويعاد ترديد شعارات عن “التنوع الثقافي” و”الرأسمال اللامادي”، لكن حين يتعلق الأمر بالفعل، نجد أنفسنا أمام واقع بارد، تهمش فيه الثقافة ويقصى دورها المركزي في بناء الإنسان والمجتمع.
هل فعلا نمتلك سياسة ثقافية؟
ما يقدم على أنه “مشهد ثقافي” لا يتجاوز بعض المهرجانات السنوية أو المبادرات الفردية. لا وجود لاستراتيجية ثقافية وطنية متماسكة، ولا لرؤية واضحة تجعل الثقافة ركيزة من ركائز التنمية. في ظل هذا الغياب، تتحول الثقافة إلى مجرد زخرفة رمزية، تستدعى عند الحاجة فقط، بينما يغيب الدعم الحقيقي لبنياتها، ولفاعليها، ولصناعاتها.
الثقافة تحت رحمة الميزانيات الهزيلة
يبدو أن الميزانية المخصصة للثقافة في المغرب تكشف عن موقف الدولة غير المعلن: الثقافة ليست أولوية. فبأقل من 1٪ من الميزانية العامة، يصعب الحديث عن إصلاح ثقافي حقيقي. أين المسارح والمكتبات ودور الثقافة في الأحياء الشعبية؟ أين الدعم للمبدعين الشباب؟ وأين الاستثمار في الصناعات الثقافية التي أصبحت في دول أخرى مصادر دخل وفرص شغل؟
المدرسة المغربية… مفصولة عن الثقافة
واحدة من أكبر مظاهر التهميش تظهر في المدرسة. تعليم جامد، تقليدي، لا يربي الذوق، ولا يفتح أبواب التعبير الحر، ولا يعترف بالفن كأداة تربوية. وهكذا، يقصى الإبداع منذ المراحل الأولى من التكوين، ويتخرج الطالب خالي الوفاض من الحس الجمالي أو الفكر النقدي.
سؤال اللامركزية الثقافية
لا يمكن الحديث عن عدالة ثقافية دون الإقرار بالهوة الكبيرة بين المدن والقرى، وبين المركز والهامش. الثقافة لا يجب أن تكون حكرًا على الرباط والدار البيضاء وفاس. من حق كل جهة، وكل مدينة، وكل حي أن يكون له نصيب من الفعل الثقافي، والبنيات، والفرص.
ماذا نريد؟
نريد مغربا يرى في الثقافة رافعة استراتيجية، لا عبئا ماليا. نريد أن تكون الثقافة حاضرة في المدرسة، في الإعلام، في الفضاءات العمومية، في الاقتصاد، وفي القرار السياسي. نريد أن ننتج مواطنا قادرا على التفكير، لا فقط على الاستهلاك والانضباط.
الخلاصة:
إذا استمر هذا التهميش البنيوي، فإننا لا نهمش الثقافة فقط، بل نهمش الإنسان المغربي. فبدون ثقافة، لا هوية، ولا إبداع، ولا تنمية. آن الأوان للانتقال من منطق الزخرفة الرمزية إلى الاعتراف الحقيقي بدور الثقافة كمحرك للتغيير وشرط للنهضة.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى