
الجزائر تتسلم رئاسة مجلس السلم الإفريقي وسط عزلة خانقة وتراجع نفوذها القاري
هبة بريس
تسلمت الجزائر، يوم الجمعة 1 غشت 2025، الرئاسة الدورية لمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي. ورغم أن الأمر يدخل ضمن التناوب الشهري الروتيني بين الدول الأعضاء، فإن هذا التعيين المؤقت أثار اهتمام الأوساط السياسية والإعلامية، نظرًا للهواجس المرتبطة بإمكانية استغلال الجزائر لهذا الموقع لإعادة تدوير خطابها المهترئ بشأن قضية الصحراء المغربية، ومحاولة توريط مؤسسات الاتحاد في نزاع تجاوزته الكثير من التوازنات منذ عودة المغرب إلى المنظمة القارية سنة 2017.
محاولة الجزائر الالتفاف على هذا المسار الدولي
وفي الوقت الذي أعلنت فيه الجزائر، بعبارات إنشائية سعيها إلى الدفع بأجندة السلم والأمن في القارة، تصطدم هذه الادعاءات مع واقع سياسي مكشوف، يجعل من النظام الجزائري طرفًا مأزومًا في العديد من الملفات الإقليمية، خصوصًا في منطقة الساحل والصحراء، حيث تتحول الجزائر من فاعل إلى عنصر تأزيم يفتقر لأبسط شروط الحياد. وهذا ما يفرغ خطاباتها حول الاستقرار الإقليمي من أي مضمون جدي أو مصداقية حقيقية.
أما فيما يتعلق بملف الصحراء المغربية، فلا تمتلك الجزائر، حتى في موقعها الحالي، أي قدرة مؤثرة على تغيير المعادلات، بحكم أن النزاع يُدار حصريًا تحت إشراف الأمم المتحدة، وفي إطار واضح حدده مجلس الأمن الدولي ومبعوثه الخاص.
ومن ثم، فإن أي محاولة للالتفاف على هذا المسار الدولي عبر إدخال الاتحاد الإفريقي على خط الأزمة، ليست سوى محاولة يائسة لخلق ضجيج سياسي بلا أثر قانوني ملزم.
دعمًا متزايد لمبادرة الحكم الذاتي في الاتحاد الإفريقي
ومنذ عودته إلى الاتحاد الإفريقي، نجح المغرب في تفكيك البنية القديمة للمواقف المنحازة داخل المنظمة، معتمدًا على دبلوماسية نشطة وتحالفات استراتيجية عمّقت حضور المملكة، وقلّصت نفوذ خصومها التقليديين.
وقد أثمرت هذه الجهود دعمًا متزايدًا لمبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الخيار الواقعي والجاد، حتى من طرف شخصيات ومسؤولين كانوا محسوبين سابقًا على المعسكر المناوئ للمغرب، مثل الرئيس الجنوب إفريقي الأسبق جاكوب زوما.
وفي هذا الإطار، فإن أي محاولة جزائرية لاستغلال رئاستها المؤقتة للمجلس من أجل إعادة ملف الصحراء إلى الواجهة، ستصطدم بمنطق التوازنات الجديدة داخل أجهزة الاتحاد الإفريقي، والتي أضحت أكثر وعيًا بخطورة تحويل هذه المنصات القارية إلى أدوات لخدمة أجندات غريبة عن دول الاتحاد.
وعلى الرغم من أن هذا المنصب يمنح الجزائر واجهة دبلوماسية مؤقتة، إلا أنه لا يفتح أمامها أي هامش فعلي للتأثير أو إملاء التوجهات، في ظل التراجع الواضح للدعم الإفريقي لأطروحة الانفصال، وتزايد عدد الدول التي باتت تؤمن بضرورة احترام الوحدة الترابية للدول كشرط أساسي للاستقرار في القارة.
في المحصلة، فإن رئاسة الجزائر لمجلس السلم والأمن لن تكون أكثر من محاولة متأخرة للظهور السياسي، بعد أن تآكلت أوراقها في القارة الإفريقية، وانكمش تأثيرها في عدد من الملفات الاستراتيجية. وهي محاولة مرشحة للإخفاق سلفًا، بالنظر إلى العزلة المتنامية التي تحيط بالنظام الجزائري داخل الاتحاد، وفقدانه لأي قدرة على فرض أجندته داخل مؤسساته.
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X