خلافات الأغلبية الحكومية.. تصدعات تتعمق رغم محاولات الإبقاء على التماسك

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

تشهد الأغلبية الحكومية خلافات متزايدة باتت تخرج من نطاق الكواليس إلى العلن، مما يطرح تساؤلات جدية حول مستقبل التحالف الثلاثي المكوّن من حزب التجمع الوطني للأحرار، وحزب الأصالة والمعاصرة، وحزب الاستقلال، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المرتقبة في شتنبر 2026، وتصاعد وتيرة التنافس السياسي بين مكونات الحكومة.

ورغم التصريحات المتكررة التي تؤكد “تماسك الأغلبية”، إلا أن الواقع السياسي يكشف عن تصدعات متزايدة، بدأت تأخذ أبعادًا ميدانية، ففي جهة سوس ماسة، برزت مؤشرات قوية على تدهور العلاقة بين مكونات التحالف، حيث قاطع منتخبون من حزبي الاستقلال والأصالة والمعاصرة دورة يونيو للمجلس الجماعي بأولاد تايمة، تلتها مقاطعة دورة المجلس الإقليمي لتارودانت، ما يعكس مستوى الاحتقان المحلي الذي لم يعد محصوراً في المركز.

هذا التوتر تعزز بغياب لافت لقياديين من الحزبين، زينب قيوح عن حزب الاستقلال، ومحمد أوضمين عن الأصالة والمعاصرة، عن اجتماع مجلس جهة سوس ماسة، ما اعتبره مراقبون مؤشراً جديداً على الشرخ المتنامي داخل التحالف الحاكم.

من جهة أخرى، يعكس تسارع الأحداث الوطنية هذا المنحى التصادمي المتنامي، فقد أثارت تصريحات محمد أوجار، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، حول تعقيدات التعمير وتماطل الوكالات الحضرية، حفيظة وزيرة التعمير والمنسقة الوطنية لحزب الأصالة والمعاصرة، فاطمة الزهراء المنصوري، التي اعتبرتها استفزازاً مباشراً، في وقت تترقب فيه البلاد ترتيبات استثنائية لاستضافة كأس العالم 2030، وهو الحدث الذي بات يكتسي طابعاً سياسياً داخلياً بامتياز.

وفي تطور آخر، أثار تفويض تنفيذ برنامج “فرصة” لوزارة السياحة التابعة لحزب الأحرار، دون إشراك وزارة الشغل، استياءً داخل صفوف الأصالة والمعاصرة، ليضاف إلى سلسلة من الاحتكاكات المتكررة التي تقوض الانسجام الحكومي.

أما حزب الاستقلال، فقد دخل على خط التوترات بشكل تدريجي، حيث تحدث أمينه العام نزار بركة عن الوضع الاقتصادي المتدهور، وارتفاع نسب البطالة، في تصريحات تحمل رسائل سياسية واضحة، كما أعلن الحزب في تجمع محلي بالعرائش عن طموحه في تصدر المشهد السياسي في انتخابات 2026، رافضًا أي دور ثانوي.

رغم محاولات تهدئة الأجواء من خلال التأكيد على استمرار الحزب في التحالف، إلا أن التناقضات في التصريحات الحكومية تعزز الشعور بتضارب المصالح، إذ بينما أعلن بركة في البرلمان عن إنجاز مشروع تنموي مشترك مع وزارة الفلاحة، خرج وزير الفلاحة بعد أيام قليلة ليقدم المشروع نفسه كإنجاز خالص لوزارته، دون أي إشارة إلى التنسيق الوزاري، وهو ما فُسِّر على أنه تهميش متعمد لشريك في التحالف.

كل هذه المؤشرات، من التصريحات المتقاطعة إلى التنافس الميداني وتنازع الصلاحيات، تكشف عن دخول التحالف الحكومي مرحلة دقيقة، حيث بدأت الحسابات الانتخابية تطغى على الانسجام المؤسساتي، فبينما تسعى بعض الأطراف إلى تعزيز موقعها استعداداً لانتخابات 2026، يبدو أن الأفق السياسي للتحالف الثلاثي بات رهيناً بإرادة الفرقاء في تغليب منطق الدولة على منطق الحزب، وهي معادلة تبدو حتى الآن صعبة التحقق.

لا يمكن إنكار أن الحكومة ما تزال تحافظ على نوع من التماسك المؤسساتي، لكن المؤشرات المتتالية تؤكد أن التحالف يعيش على وقع تصدعات سياسية متزايدة، قد تتسع بشكل أكبر مع اقتراب الاستحقاقات القادمة. ما يجري في سوس ليس سوى جزء من صورة أكبر تتشكل بهدوء في الخلفية، وتُنذر بتغييرات محتملة في ملامح التحالفات السياسية المستقبلية، فهل تكون خلافات الحلفاء بجهة سوس ماسة، بداية التصدع الكبير في الائتلاف الحكومي ؟؟.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى