شهيد للحكومة “منظومتنا الصحية تعاني اختلالات بنيوية وغياب الكرامة”

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

في مداخلة برلمانية لافتة، خلال الجلسة الشهرية المخصصة لمساءلة رئيس الحكومة حول السياسة العامة، حمل عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية، الحكومة مسؤولية الفشل في تفعيل الحق الدستوري في الصحة، مشيراً إلى تفاقم الاختلالات البنيوية داخل المنظومة الصحية، وعجز الحكومة عن تحقيق وعودها الانتخابية في هذا المجال الحيوي.

وافتتح شهيد مداخلته بالتأكيد على أن إدراج موضوع الصحة وربطه بالكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية في جدول المساءلة الشهرية ليس أمر عرضي ، بل يتماشى مع المواثيق الدولية ودستور المملكة، والخطب الملكية التي ما فتئت تؤكد على أهمية تعزيز الحماية الاجتماعية وكرامة المواطن.

وشدّد على أن الحق في الصحة ليس امتيازاً تمنحه الدولة متى شاءت، بل التزام دستوري وإنساني، لا يتحقق إلا من خلال ضمان الولوج العادل إلى خدمات صحية جيدة، خالية من أي شكل من أشكال التمييز، اجتماعيا أو جغرافيا.

وانتقد رئيس الفريق الاشتراكي ما اعتبره غياباً لحصيلة حكومية ملموسة في نهاية الولاية، قائلاً: “كنا ننتظر أن تكشفوا عن التدابير والإجراءات التي اتخذتموها لتكريس هذا الحق، خاصة أننا نناقش موضوع الصحة للمرة الثالثة، لكننا نجد أنفسنا أمام خطاب يفتقد إلى الحماس وحتى الجدية المطلوبة “.

وذكر شهيد بالتزامات التي وردت في البرنامج الحكومي، اعتبر أنها لم تُفعل بعد ، من بينها: جعل المستشفى مؤسسة مستقلة وجذابة، و تطوير الطب عن بعد، و تعميم بطاقة طبية ذكية، تم مراقبة الحمل مجانا، وتحسين أوضاع العاملين في المناطق النائية.

وفي عرض تحليلي شامل، تطرق شهيد إلى عشر اختلالات مركزية قال إنها تشكل العقبة الرئيسية أمام إصلاح المنظومة الصحية منها غياب استراتيجية تنفيذية للقانون الإطار 06.22، وتأخر النصوص التنظيمية الضرورية لتفعيل الإصلاح، وضعف التمويل العمومي، إذ تتحمّل الأسر المغربية أكثر من 50% من النفقات الصحية، بسبب عدم كفاية الدعم الحكومي.

وسجل كذلك اختلالات في التأمين الإجباري عن المرض، وغياب بروتوكولات موحدة للعلاج، مما يؤدي إلى هدر مالي غير مبرر، مع غياب التنسيق وتضارب الأولويات الصحية، ما أثر على برامج وطنية حيوية لم تخرج بعد إلى حيز التفعيل.

كما تطرق شهيد إلى تسجيل نقص حاد في الموارد البشرية، كاشفا أن المغرب يعاني عجزاً يقدّر بـ32 ألف طبيب و65 ألف ممرض، في وقت يهاجر فيه سنوياً نحو 700 طبيب.

كما تطرق رئيس الفريق الاتحادي إلى تسجيل فجوة عميقة بين القطاعين العام والخاص، حيث تتركز الجودة والاستثمار في المصحات، مقابل هشاشة في المستشفيات العمومية.

مما ساهم بحسب مداخلته إلى تغول المصحات الخاصة التي تهيمن على التمويل الصحي بنسبة تفوق 18%، رغم أنها لا تمثل سوى ثلث العرض الاستشفائي.

كما سجل الفريق الاشتراكي ارتفاع أسعار الأدوية والكشوفات، وعدم احترام التسعيرة المرجعية، ما يزيد من أعباء المرضى و انعدام العدالة المجالية في توزيع الأدوية الحيوية، خصوصاً في حالات لسعات العقارب والثعابين في المناطق القروية، و ضعف البنية الرقمية والمعلوماتية في القطاع، ما يعيق التنسيق بين المؤسسات ويؤخر التشخيص والعلاج.

وفي فقرة إنسانية مؤثرة، وجّه شهيد سلسلة تساؤلات تتعلق بواقع المواطن المغربي مع الصحة العمومية، متسائلاً:
“أين هي الكرامة؟ لامرأة حامل تُنقل على ظهر دابة إلى المستشفى؟
أين هي الكرامة؟ لمريض يُجبر على تقاسم سرير أو النوم في ممر المستشفى؟ وأين هي الكرامة؟ لمرضى السرطان الذين ينتظرون شهوراً للحصول على موعد قد يحسم في مصيرهم؟ وأين هي الكرامة؟ لمواطن يضطر للاقتراض من أجل علاج مزمن لا يشمله التعويض؟.

وأشار إلى أن الواقع الصحي اليوم يُناقض بوضوح شعارات الدولة الاجتماعية التي رفعتها الحكومة، مؤكداً أن “المواطن لا يشعر بتحسّن في الخدمات، بل بمزيد من الفوارق والمعاناة”، لافتاً إلى أن المستشفيات العمومية في مدن كبرى ما زالت تفتقر إلى أطر متخصصة، ما يضطر المرضى إلى التنقل لمسافات طويلة للعلاج، ما يضاعف آلامهم وتكاليفهم.

– من أجل إنقاذ الزمن التنموي

وفي ختام مداخلته، دعا النائب عبد الرحيم شهيد إلى إصلاح عميق وشجاع للقطاع، مشدداً على أن المعارضة لا تسعى إلى تسجيل نقاط سياسية، بقدر ما تسعى إلى وقف “نزيف الزمن التنموي”، مطالباً الحكومة بالاعتراف بالتقصير، والانكباب على إجراءات عاجلة لتكريس العدالة الصحية والاجتماعية، وتحقيق الكرامة المنشودة لكل المغاربة.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى