
صناع الأسنان في المغرب بين مطرقة الإغلاق وسندان التهميش
سنهبة بريس – عبد اللطيف بركة
تعيش مهنة صناعة الأسنان في المغرب على صفيح ساخن، بعد أن أطلقت السلطات، بتنسيق مع المجلس الوطني لهيئة أطباء الأسنان، حملة غير مسبوقة لمعاينة وإغلاق محلات صناع الأسنان في عدد من المدن، خاصة بجهة سوس ماسة، بدعوى “مزاولة المهنة دون ترخيص”.
وقد خلّف ذلك موجة استياء وغضب في صفوف العاملين بالقطاع، الذين اعتبروا أن ما يجري هو حملة ممنهجة تهدف إلى إقصائهم قسرًا من سوق الشغل، دون توفير بدائل قانونية أو فتح حوار جاد لتأطير المهنة.
ورغم أن مهنة صناعة الأسنان تشكل دعامة حقيقية لقطاع الصحة الفموية، وتلبي حاجيات فئة واسعة من المواطنين ذوي الدخل المحدود، الذين لا قدرة لهم على تحمّل كلفة العلاج داخل عيادات أطباء الأسنان، إلا أن السلطات اختارت المقاربة الزجرية بدل المقاربة التشاركية. فقد باشرت تنفيذ تعليمات المجلس الوطني عبر معاينات مفاجئة لمحلات الصناع، وتحرير محاضر في حقهم، وإصدار قرارات بالإغلاق، دون أي إشراك فعلي للمعنيين بالأمر أو فتح باب الحوار.
وتبدو نية السلطات واضحة في فرض الأمر الواقع، دون مراعاة السياقين الاجتماعي والاقتصادي الذي يشتغل فيه صناع الأسنان. ففي عدد من المناطق، أقدم أعوان السلطة على مداهمة محلات قائمة منذ سنوات، وإصدار قرارات بالإغلاق الفوري، دون منح أي مهلة أو اقتراح بديل. وقد اعتبرت النقابات المهنية هذا الإجراء تضييقًا غير مقبول، وخرقًا لمبدأ تكافؤ الفرص، وانتهاكًا للحق الدستوري في الشغل والكرامة.
– النقابات تدخل على الخط وتندد بـ”الاستهداف”
أعلنت نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب بجهة سوس ماسة تضامنها المطلق مع صناع الأسنان، ونددت بما وصفته بـ”الحملة المسعورة التي تستهدف هذه الفئة الهشة”، مطالبة بفتح نقاش وطني لتقنين المهنة بدل محاربتها، ومحذرة من تداعيات المساس بأرزاق المئات من الأسر التي تعيش من هذه الحرفة.
وفي المقابل، ترى هيئة أطباء الأسنان أن الممارسة يجب أن تكون تحت إشراف الطبيب، وأن أي نشاط خارج هذا الإطار يعد “غير مشروع”. غير أن صناع الأسنان يردّون بأنهم لا يمارسون أي اختصاص علاجي، ولا يتعاملون مع المرضى، بل يقتصر عملهم على إعداد وتركيب الأطقم الصناعية، وهي مهام فنية لا تتطلب تدخلاً علاجياً أو وصفة طبية.
– فراغ قانوني وازدواجية في الخطاب
ورغم الإشارات المتكررة في المراسلات الرسمية إلى ضرورة احترام مقتضيات المادة 3 من القانون رقم 07.05، إلا أن الواقع يكشف عن فراغ قانوني واضح، وغياب نص تنظيمي يؤطر مهنة صناعة الأسنان كمجال مستقل، هذا الفراغ القانوني ترك المجال لتأويلات متضاربة تُستعمل في كثير من الأحيان لتبرير قرارات تعسفية تمس بمبدأ الأمن الاجتماعي.
ويؤكد عدد من الفاعلين الجمعويين والحقوقيين أن القوانين المغربية لا تجرّم صراحة مهنة صناعة الأسنان، لكنها تفتقر إلى إطار قانوني ينظمها، وهو ما يستوجب تحركًا تشريعيًا عاجلاً، لا إجراءات زجرية تقصي وتهمّش.
– صناع الأسنان يطالبون بالإنصاف ورد الاعتبار
يطالب الصناع المتضررون من هذه الحملة بوقف فوري لكل أشكال التضييق، وفتح ورش وطني تشاركي يشمل وزارة الصحة، ووزارة الشغل، والهيئات المهنية والنقابية، لتقنين المهنة وتحديد مهامها بشكل واضح يضمن الحق في الشغل، ويصون كرامة الصناع، ويحمي صحة المواطنين.
وفي ظل غياب إطار قانوني ينظم مهنتهم، وتوالي التعليمات الإدارية الداعية إلى إغلاق محلاتهم، يجد صناع الأسنان أنفسهم في مواجهة قرارات لا تراعي واقعهم، ولا تعترف بدورهم، رغم مساهمتهم الواضحة في سد خصاص بيّن في قطاع العناية بالأسنان بالمغرب.
فهل من المعقول أن يُحاصر هذا القطاع دون تقديم بديل؟ وهل من المقبول أن يُغلق باب رزق فئة كاملة من المجتمع دون حوار أو مقاربة تشاركية؟ إنها أسئلة ملحّة، في انتظار أن تدرك الجهات الوصية أن التنظيم لا يجب أن يكون أداة إقصاء، بل وسيلة للاعتراف والإنصاف.
– تقنين بدل “تجريم”
إن ما يحدث اليوم من إغلاقات مفاجئة وممارسات قمعية ضد صناع الأسنان لا يجب أن يكون عنوانًا لمزيد من التهميش. بل يجب أن يُقرأ كنداء عاجل للإسراع بإصدار إطار قانوني منصف، يُنظم هذه المهنة ويمنحها الوضع الاعتباري الذي تستحقه.
صناع الأسنان لا يطالبون بالمستحيل، بل يطالبون فقط بالاعتراف بدورهم، وتقنين أوضاعهم بشكل يحفظ كرامتهم، ويخدم مصلحة الصحة العامة. فهل تلتقط الجهات المعنية هذه الرسالة قبل فوات الأوان؟
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X