
“صهاريج الموت” تخطف أرواح أطفال القرى في فصل الصيف
هبة بريس – عبد اللطيف بركة
مع اشتداد لهيب الصيف، تتحول مساحات الماء المنتشرة في البوادي والقرى المغربية من مصادر حياة وسقي إلى مصائد موت، تخطف أرواح الأطفال والمراهقين الذين يهربون من الحرارة بحثاً عن لحظات انتعاش، فيقعون ضحية مياه راكدة، لا ترحم.
– مآسي صيفية تتكرر
في مشهد يتكرر كل عام، تستفيق أسر مغربية على فاجعة غرق فلذات أكبادها في السدود، الأودية، أو الصهاريج البلاستيكية داخل الضيعات الفلاحية، وهناك فواجع وقعت السنتين الماضيتين بعد غرق ثلاث أطفال ووالدتهم بعد محاولة انقاذهم.
آخر هذه الحوادث كان غرق طفل يبلغ من العمر 11 عاماً في وادي إسرى بإقليم تاونات، وقبله شاب في مقتبل العمر لقي مصرعه داخل مياه سد زرار بإقليم الصويرة، وطفل آخر باحد سدود الحوز .
تتصاعد التحذيرات من خطورة هذه الظاهرة، خصوصاً مع ارتفاع درجات الحرارة الاستثنائية هذا العام، التي دفعت العشرات من الأطفال والشباب إلى التوافد نحو مجاري الأودية والسدود، غير مبالين بخطورة السباحة في مياه غير صالحة، وغير مراقبة.
– “بحيرات الغرق” في قلب القرى
تشير معطيات رسمية إلى أن أبرز الجهات التي تشهد أكبر عدد من الوفيات بسبب الغرق في السدود والوديان هي الرباط – سلا – القنيطرة، بني ملال – خنيفرة، والدار البيضاء – سطات، إضافة إلى جهة مراكش – آسفي، وأقاليم جهة سوس ماسة أكبرها ( اشتوكة و تارودانت) .
فخلال الفترة الممتدة بين 2018 و2021، تم تسجيل 219 حالة غرق، منها 151 حالة وفاة، فيما تضاعف هذا العدد في الفترة ما بين 2022 و2025، خاصة في المناطق القروية التي تعاني من غياب بنية تحتية للترفيه ومرافق للاستجمام.
يؤكد عدد من المهتمين من المجتمع المدني أن بحيرات السدود “توحي في ظاهرها بالأمان”، لكنها تخفي خطراً قاتلاً بسبب احتوائها على كميات كبيرة من الأوحال، التي تجذب أجساد السباحين إلى القاع، ما يجعل من الصعب على أي شخص النجاة، حتى لو كان متمرساً.
– الصهاريج الفلاحية: مياه قاتلة وسط الضيعات
ومع توسع ظاهرة الغرق، برزت معضلة جديدة لا تقل خطورة، تتعلق بالصهاريج البلاستيكية المخصصة للسقي، والتي تحولت إلى “مصائد موت” غير مرئية.
تتواجد هذه الصهاريج في الضيعات الزراعية وتستقطب الأطفال والمراهقين هرباً من الحرارة، في ظل غياب مسابح عمومية أو أماكن بديلة للترفيه.
يبلغ عمق بعض هذه الصهاريج أزيد من خمسة أمتار، وتغطي جدرانها بطبقة بلاستيكية زلقة تجعل النجاة منها شبه مستحيلة عند السقوط، ورغم محاولات السلطات المحلية للقيام بحملات توعوية، فإن ضحايا هذه الصهاريج يزدادون بشكل مخيف.
– أسباب بنيوية تُغذي المأساة
يُرجع نشطاء في المجتمع المدني هذه الكوارث المتكررة إلى غياب البنيات التحتية الأساسية في العالم القروي، من مسابح وفضاءات للترفيه، ما يدفع الشباب والأطفال إلى اللجوء إلى بدائل قاتلة.
ويؤكد أحد هؤلاء المهتمين أن “المشكل لا يكمن فقط في مخاطر السباحة في الصهاريج أو السدود، بل في غياب سياسة اجتماعية واضحة تراعي حاجيات ساكنة القرى من الفضاءات الآمنة والمرافق العمومية”.
ويرى أن “الوضع الحالي يتطلب تدخلاً عاجلاً من مختلف الجهات، لتوفير بدائل آمنة، كالمسابح العمومية بتكلفة منخفضة، والمراكز الترفيهية، وتسييج الصهاريج الفلاحية لتفادي وقوع المزيد من المآسي”.
– حملات توعوية غير كافية
رغم جهود السلطات المحلية والجماعات الترابية والوقاية المدنية في تنظيم حملات تحسيسية خلال الأشهر الأخيرة، إلا أن ذلك لم يمنع استمرار حالات الغرق.
ويرى متتبعون أن هذه الحملات، وإن كانت ضرورية، إلا أنها تظل غير كافية ما لم تُرفق بإجراءات ميدانية حقيقية، كإنشاء مسابح متنقلة في القرى، أو تخصيص ميزانيات خاصة للترفيه في المناطق المهمشة.
– واقع اجتماعي خارج أولويات التنمية
يشير بعض المهتمين إلى أن “العالم القروي لا يزال مهمشاً تنموياً، رغم الوعود والبرامج التي تم إطلاقها في السنوات الماضية”.
ويضيفون أن “القرى تفتقر إلى أبسط الخدمات الأساسية، في حين يوجه صندوق تنمية العالم القروي في معظمه إلى المشاريع الفلاحية، دون الالتفات إلى الجوانب الاجتماعية والإنسانية، خاصة تلك المرتبطة بالأطفال”.
– صيف الخطر.. ومطلب الحماية
وسط مؤشرات تنذر بصيف ساخن آخر، ومع ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة، تبدو الحاجة ماسة إلى وضع خطة وطنية عاجلة لحماية الأطفال والشباب من مخاطر السباحة في أماكن غير مؤهلة، وتوفير بدائل حقيقية وآمنة للترفيه والاستجمام في القرى.
فـ”صهاريج الموت” لا تزال تحصد أرواح أبرياء، في صمت، وعلى هامش خريطة التنمية.
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X