
مشروع قانون المسطرة المدنية: توضيحات بشأن الاستئنافين الفرعي والمثار
محمد منفلوطي_ هبة بريس
في تصريح خص به ” هبة بريس” على مدى ثلاث حلقات خصصت لقراءة قانونية في التعديلات التي طرأت على قانون المسطرة المدنية 02.23، قال الأستاذ المستشار البرلماني ونائب رئيس لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس المستشارين، والمحامي بهيئة سطات” المصطفى الدحماني”، إن قانون المسطرة المدنية 02.23، أفرد فصلا وحيدا حدد فيه المقتضيات الخاصة بالاستئناف الفرعي والاستئناف الناتج عن الاستئناف الأصلي ويتعلق الأمر بالفصل 135 ، والملاحظ على هذا الأخير أنه نص على الاستئنافين المذكورين في فقرة واحدة وبشكل متتال يوحي بكون الأمر يتعلق بصنف واحد من الاستئناف وهو الاستئناف الفرعي، والحال أن لكل منهما مميزات تفرق كل استئناف عن الآخر عكس ما كان منصوص عليه في قانون المسطرة المدنية الصادر بتاريخ 12 غشت 1913 في فصله 227 والذي خصص لكل من الاستئنافين فقرة مستقلة عن الأخرى ، إذ نص في الأولى على الاستئناف الفرعي فقال للمستأنف عليه حق رفع استئناف فرعي في كل الأحوال ولو كان طلب دون تحفظ تبليغ الحكم ” و قال في الفقرة الثانية ” وكل استئناف تسبب فيه الاستئناف الأصلي، يكون كذلك مقبولا في جميع الأحوال”، وهو ما سمح بالتمييز بين الاستئنافين عكس الصياغة الحالية للفصل 135 .
وأضاف الدحماني، أنه من المفيد أن يبقى إبراز نقاط الاختلاف بين كل منهما وعلاقتهما بالاستئناف الأصلي، فبالنسبة للاستئناف الفرعي فأهم ما يميزه انه يقدم من طرف المستأنف عليه في مواجهة المستأنف الأصلي وغير مقيد بالأجل القانوني للطعن وغير خاضع لأحكام المادة 141 من قانون المسطرة المدنية التي تحدد كتابة ضبط المحكمة الابتدائية التي أصدرت الحكم المطعون فيه كجهة لتلقي الاستئناف وكذا إجراءاته، وان قبوله يتوقف على قبول الاستئناف الأصلي فإذا تقرر الحكم بعدم قبول هذا الأخير لعيب في الشكل أو لتقديمه خارج الأجل فان الاستئناف الفرعي يأخذ نفس الحكم نظرا لرابطة التبعية التي تجمع بينهما من حيث الوجود والزوال باستثناء الحالة التي يتنازل فيها المستأنف أصليا عن استئنافه فإن هذا التنازل لا يؤثر على الاستئناف الفرعي الذي يظل قائما ومنتجا لأثره القانوني وهو ما ذهبت إليه محكمة النقض في العديد من قراراتها.
أما بالنسبة للاستئناف المثار أو الناتج عن الاستئناف الأصلي، فقد أكد الأستاذ الدحماني، أنه مقرر لفائدة كل شخص ثبتت مصلحته في عدم تغيير الحكم موضوع الاستئناف ولو كان غير طرف في المرحلة الاستئنافية بخلاف الأمر بالنسبة للاستئناف الفرعي، كما انه لا يستلزم لاعتباره صحيحا تقديمه ضد المستأنف الأصلي ولا يتحقق إلا في حالة تعدد الأطراف وتداخل العلاقات القانونية في النزاع موضوع الدعوى ومن صور الاستئناف الناتج عن الاستئناف الأصلي نورد بعض الأمثلة:
المثال الأول: أن يتم رفع دعوى المسؤولية التقصيرية في مواجهة عدة أطراف، ويتقدم خاسر الدعوى باستئناف أصلي ضد أحدهم فقط ويكون من المحتمل أن تستجيب محكمة الطعن لاستئنافه فيتقدم الأطراف الذين لم يوجه الاستئناف الأصلي ضدهم باستئناف، وهذا استئناف ناتج عن الاستئناف الأصلي؛ لأنه في هذه الحالة يتعذر عليهم تقديم استئناف فرعي ويكون بذلك مقبولا باعتباره ناتجا عن الاستئناف الأصلي لا باعتباره فرعيا.
المثال الثاني: أن يتقدم مدعي بطلب الحكم على مدعى عليهما “زيد” وعمر” بأدائهما له تضامنا مبلغ 30.000 درهم ، فقضت المحكمة الابتدائية على زيد بأداء مبلغ 10.000 درهم وبرفض الطلب في مواجهة عمر. استأنف المحكوم عليه “زيد” الحكم متمسكا بانقضاء الدين وبعد ذلك استأنفه “المدعي” المستأنف عليه في مواجهة المستأنف الأصلي وهذا استئناف فرعي وكذلك في مواجهة عمر “غير مستأنف” وهذا استئناف ناتج عن الاستئناف الأصلي ملتمسا الحكم له بكامل المبلغ وبالتضامن بين المدعى عليهما “زيد” وعمر” هنا قام عمر واستأنف بدوره الحكم متمسكا هو الآخر بانقضاء الدين فهذا الاستئناف الأخير ليس فرعيا لأنه لم يقدم من المستأنف الأصلي ولا ضده ومع ذلك فهو مقبول ، الأمر الذي يجسد بوضوح الاستئناف الناتج عن الاستئناف الأصلي الذي تحدث عنه الفصل 135 من قانون المسطرة المدنية والذي تقابله المادة 207 من مشروع القانون المذكور.
وخلص الأستاذ الدحماني في قراءته للتعديلات التي عرفها مشروع قانون المسطرة المدنية، إلى حد القول بأن مشروع القانون بالصيغة التي صادق عليها مجلس المستشارين يعد تتويجا لمسار طويل من العمل الجاد والمجهود الجبار والاستثنائي، ومن شأن كل ذلك أن يحقق الملائمة المطلوبة مع المقتضيات الدستورية والتشريعية والمؤسساتية، ويسد الفراغات التي أفرزها الواقع، ومنها الدور السلبي للقاضي المدني في الإشراف على إجراءات التقاضي، ويعالج الاختلالات التي أبانت عنها الممارسة القضائية من تعقيد للإجراءات، وبطء في المساطر، سواء على مستوى تبليغ أو تنفيذ الإجراءات أو المقررات القضائية، ويواكب التطور التشريعي الإجرائي الدولي، والتوجهات التي تضمنتها قواعد الاتفاقيات الدولية، والتحولات المستجدة التي يعرفها العالم على كافة الأصعدة والمستويات.
مشيرا إلى أنه وبالنظر لأهمية مشروع القانون، نأمل أن يتم التسريع باستكمال مساره التشريعي وأن يتم تفعيل مقتضيات المراقبة الدستورية الاختيارية القبلية قبل نشره بالجريدة الرسمية لاستباق الإشكالات التي يمكن اثارتها بعد تفعيل القانون التنظيمي للدفع بعدم الدستورية، فتفعيل المراقبة الدستورية للقوانين، هي مكنة وضعها الدستور بيد مجموعة من الأطراف وفي نفس الوقت هي مسؤولية ملقاة على عاتق هذه الأطراف، فمشروع قانون بهذه الأهمية وهذا التأثير على الحقوق الأساسية، يفرض على المتمتعين بهذه المكنة المبادرة إلى إحالة القانون بعد التصويت عليه للمحكمة الدستورية لمراقبة دستوريته، وهو ما من شأنه تقليص الشكوك المحيطة بمدى موافقة النص للدستور، ومن شأنه كذلك تقليص الضغوط المرتقبة على مسطرة الدفع بعدم الدستورية عند دخول القانون التنظيمي المرتقب لحيز التنفيذ.
وفي هذا الإطار نستحضر مضمون خطاب ملكي سامي بمناسبة عيد العرش لسنة 2013 حيث تم تقديم حصيلة أشغال الهيئة المكلفة بالإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة، حيث أكد جلالة الملك نصره الله في خطابه على أنه:
” مهما تكن أهمية هذا الإصلاح، وما عبأنا له من نصوص تنظيمية، وآليات فعالة، فسيظل “الضمير المسؤول” للفاعلين فيه، هو المحك الحقيقي لإصلاحه، بل وقوام نجاح هذا القطاع برمته.
وختم قائلا: أذكر جيداً مقولة لأحد فقهاء القانون حفظتها عن ظهر قلب وأنا محامي متمرن مفادها ” أن النص القانوني مهما كان ناقصا أو غامضاً أو منغلقا، فإنه قد يؤدي إلى الغاية المتوخاة منه إذا كان القائمون على تطبيقه وإنفاذه يجيدون التعامل معه، والعكس صحيح “.
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X