هل دفعت قطر ثمن استضافتها لقادة حماس؟

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

في سابقة غير معهودة منذ انخراطها في أدوار الوساطة الإقليمية، قررت قطر تعليق جهودها في الوساطة بين إسرائيل وحركة حماس، وسط أجواء مشحونة إقليمياً ودولياً.

القرار، الذي تزامن مع تقارير عن طلب الدوحة من قيادات حماس مغادرة أراضيها، أعاد طرح السؤال الاستراتيجي القديم: هل دفعت قطر ثمناً باهظاً لاستضافتها الطويلة لقادة الحركة؟.

– صدمة الهجوم وتداعياته

التحول في الموقف القطري جاء بعد ساعات من الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف مقر سكني في العاصمة الدوحة، يُعتقد أنه كان يستخدم من قبل قيادات حماس، رغم أن الهجوم لم يسفر عن إصابات مؤكدة في صفوف قادة الحركة، إلا أنه أثار موجة تنديد عربية واسعة، لم تخلُ من إشارات إلى أن السيادة القطرية كانت على المحك، وأن استضافة حركة موضوعة على قوائم “الإرهاب” لدى عدد من القوى الكبرى قد باتت عبئاً أكثر من كونها ورقة سياسية.

الهجوم الإسرائيلي على الأراضي القطرية لم يكن مجرد حدث أمني، بل نقطة تحول في معادلة العلاقة بين الدولة الخليجية والملف الفلسطيني، خصوصاً في ظل الضغوط الدولية المتزايدة.

– وساطة معلّقة… ومكاتب مغلقة؟

رغم محاولات وزارة الخارجية القطرية التخفيف من وطأة الأخبار المتداولة، إلا أن نفيها جاء فاتراً وغير حاسم، فقد وصفت التقارير بأنها “غير دقيقة” دون تقديم نفي قاطع لإغلاق مكتب حماس أو طرد قياداتها.

في السياسة، الصياغة الغامضة ليست بريئة، بل غالباً ما تعكس محاولة لإعادة التموضع دون كسر التحالفات أو إثارة حلفاء الأمس.

وبينما تشير تسريبات متعددة إلى أن القرار القطري جاء دون ضغوط مباشرة من واشنطن، إلا أن تزامنه مع فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية ومع توتر العلاقة بين إدارة بايدن وحماس بعد إعدام رهائن يحملون الجنسية الأميركية، يضفي بُعداً دولياً لا يمكن تجاهله على القرار.

– حسابات السياسة أم ضريبة التحالفات

منذ عام 2012، فتحت قطر أبوابها لقيادات حماس، في وقت كانت فيه الحركة تبحث عن مأوى سياسي بعد خروجها من سوريا. لعبت الدوحة دور الوسيط، واحتضنت المحادثات غير المباشرة، واستثمرت في دعم قطاع غزة إنسانياً واقتصادياً. لكن المشهد في 2024 ليس كما كان. تبدلت أولويات الحلفاء، وتغيرت قواعد اللعبة، وأصبح البقاء على ذات الموقف مكلفاً دبلوماسياً وأمنياً.

الدوحة وجدت نفسها في مواجهة معادلة صعبة: البقاء كوسيط مقبول يتطلب منها تخفيض مستوى علاقتها بحماس، وربما فك الارتباط بها بشكل كامل. أما الإصرار على الاستضافة، فكان يعني المخاطرة بمكانتها في المنظومة الإقليمية والدولية، وربما تعريض أمنها الداخلي لمزيد من التصعيد.

– ماذا بعد؟

قرار قطر بالتراجع المؤقت – أو ربما النهائي – عن استضافة حماس، هو انعكاس لتحولات عميقة في تموضعها السياسي، لا سيما بعد أن باتت ساحة لردود فعل صراعات خارجية. كما يعكس القرار فهماً دقيقاً لتبدل المزاج الدولي، الذي لم يعد يرى في قادة حماس شركاء محتملين بقدر ما يعتبرهم عقبة أمام أي حل سياسي مقبول.
من غير المرجح أن تغلق الدوحة الباب بشكل نهائي أمام الوساطة، لكنها على الأرجح تضع حدوداً جديدة لدورها، مدفوعة بتكاليف لم تعد تستطيع دفعها، سواء على مستوى أمنها القومي أو علاقاتها الاستراتيجية مع واشنطن، أوروبا، بل وحتى بعض العواصم العربية.

فقد دفعت قطر ثمناً سياسياً في تدخلها في شؤون بلدان عربية وكذلك لاستضافتها الطويلة لحماس، لكنه ثمن لم يكن مباشراً بقدر ما كان تراكمياً، ومع تغير السياق الإقليمي والدولي، قررت الدوحة إعادة رسم حدود تدخلها في القضية الفلسطينية. في النهاية، قد لا يكون السؤال فقط: “هل دفعت قطر الثمن؟” بل: “هل آن الأوان لقطر أن تعيد تعريف سياستها الخارجية بأدوات جديدة؟”.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى