ماهي الشروط الجديدة التي ستدافع عنها الرباط في اتفاقية التجارة مع أنقرة؟

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

مع انتهاء سريان الإجراءات الحمائية التي فرضها المغرب منذ عام 2020 على المنتجات التركية، والتي وصلت فيها الرسوم الجمركية إلى 90%، تعود الرباط اليوم إلى طاولة المفاوضات مع أنقرة لإعادة تقييم شروط اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين البلدين عام 2004، فالسؤال الأهم الذي يفرض نفسه في هذا السياق: ما هي الشروط الجديدة التي ستدافع عنها الرباط في هذه الاتفاقية لضمان مصالحها الاقتصادية وحماية صناعتها الوطنية؟

– خلفية الاتفاق والتعديلات السابقة

كانت اتفاقية التجارة الحرة بين المغرب وتركيا، والتي دخلت حيز التنفيذ منذ أكثر من عقدين، قد فتحت الباب أمام تدفق واسع للسلع التركية إلى السوق المغربي. إلا أن هذا الانفتاح غير المتكافئ سرعان ما بدأ يُظهر آثاره السلبية على الاقتصاد المحلي، خاصة في قطاع النسيج والفراش المنزلي، حيث اتُّهمت المنتجات التركية بإغراق السوق، ما تسبب في أضرار مباشرة للمنتجين المغاربة.

استجابة لذلك، فرضت الحكومة المغربية في عهد وزير التجارة والصناعة مولاي حفيظ العلمي رسوماً جمركية تأهيلية عام 2020، وصلت إلى 90% على بعض المنتجات، من ضمنها الأفران الكهربائية والنسيج، في خطوة لحماية الصناعة الوطنية.

– تحديات جديدة… وعجز تجاري متفاقم

رغم الرسوم المؤقتة، استمر العجز التجاري بين المغرب وتركيا في التوسع، فقد أصبحت أنقرة ثالث أكبر مصدر للعجز التجاري المغربي بعد الصين والولايات المتحدة، وبلغ العجز نحو 3 مليارات دولار في الأربعة أشهر الأولى من عام 2025 فقط، هذا ما يفسر توجه الرباط نحو مراجعة الاتفاقية وإعادة التفاوض من موقع أكثر توازنًا.

– أولويات الرباط في التفاوض الجديد

مصادر مطلعة كشفت أن عمر حجيرة، الوزير المكلف بالتجارة الخارجية، سيزور تركيا قريبًا لعقد مشاورات تجارية جديدة، وتُشير التوقعات إلى أن المغرب سيضع مجموعة من الشروط الأساسية على طاولة التفاوض، يمكن تلخيصها في ثلاث أولويات رئيسية:

اولاً: توسيع ولوج الصادرات المغربية للسوق التركية

ويسعى المغرب من خلالها إلى كسر الهيمنة التركية على ميزان المبادلات التجارية عبر تسهيل دخول المنتجات المغربية، خصوصًا في القطاعات الزراعية والصناعات الغذائية، إلى السوق التركية، وهذا يتطلب إزالة الحواجز الفنية والجمركية التي لا تزال تعيق الصادرات المغربية.

ثانيا : تشجيع الاستثمارات التركية المباشرة في المغرب

من بين أوراق الضغط التي قد تلعبها الرباط، اقتراح منح امتيازات استثمارية إضافية للمؤسسات التركية التي تُنشئ مصانع أو تنقل جزءاً من أنشطتها إلى المغرب، هذا سيساعد في تقليص العجز التجاري وتحفيز نقل التكنولوجيا وخلق فرص شغل محلية.

ثالثا : حماية الصناعة الوطنية من الإغراق المتكرر

رغم رفع الرسوم الجمركية، تصر الرباط على ضرورة إدراج آليات حماية دائمة في الاتفاقية، مثل “بند الإنذار المبكر”، الذي يتيح للمغرب إعادة فرض رسوم مؤقتة في حال تسجيل اختلالات مفاجئة في السوق، كما تسعى إلى تعزيز التعاون الرقابي وتبادل المعلومات التجارية.

-توازن دقيق بين الانفتاح والحماية

يبقى التحدي الأكبر أمام المفاوض المغربي هو تحقيق توازن معقول بين الحاجة لحماية الاقتصاد المحلي والانفتاح على شريك تجاري مهم مثل تركيا، فالاتفاق الجديد، إن تم بشروط مدروسة، يمكن أن يُعيد تشكيل العلاقة الاقتصادية بين البلدين بشكل أكثر عدلاً واستدامة.

لكن السؤال الأهم يبقى معلقًا: هل ستنجح الرباط في فرض رؤيتها الجديدة دون إفساد العلاقات السياسية والاقتصادية مع أنقرة؟ وهل يمكن تحقيق معادلة: “انفتاح + حماية” في اتفاق تجاري حر؟.

الإجابة عن هذه الأسئلة ستتضح خلال الأشهر القادمة، ولكن ما هو مؤكد أن المغرب يدخل جولة المفاوضات القادمة وهو أكثر وعيًا بتحديات الماضي وأكثر استعدادًا لرسم ملامح شراكة متوازنة تحفظ مصالحه الاقتصادية.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى